الغيبة الصغرى
قسم الاثنا عشرية غيبة مهديهم المزعوم إلى غيـبتين، صغرى وكبرى، وهاتان الغيبتان وإن اشتركتا في بعض الخصائص والأسباب والأحكام، إلا أن لكلٍ منهما خصائصها وأسبابها المستقلة، ونتكلم هنا عن الغيبة الأولى أي الصغرى من حيث أدلتها وأسبابها ومدتها، وبعض متعلقاتها مثل أعمال المهدي فيها وأبرز رجالات الشيعة أيامها، وكذلك ما زامن هذه الغيبة من أحداث متعلقة بموضوع الغائب المزعوم، ونذكر كذلك ما يتعلق بها من أمور بإيجاز إن شاء الله تعالى .
1-تعريفها:
ومن خلال استقراء كلام علماء الاثني عشرية يمكننا أن نعرّف الغيبة الصغرى بأنها: الفترة الزمنية التي زعموا احتجاب المهدي خلالها عن شيعته إلا من بعض خواص أبيه، وسميت هذه الغيبة بالصغرى لأن المهدي لم يغب فيها غيابا كاملا عن جميع الناس، بل كان هناك من يلتقي به ــ زعمواـــ ويأخذ الأوامر والتوقيعات منه، وهؤلاء كان يطلق عليهم السفراء أو النواب الخاصون الذين كانوا حلقة الوصل بينه وبين باقي شيعته، وأولهم هو عثمان بن سعيد العمري وآخرهم هو علي بن محمد السَّمَري الذي كانت نهاية الغيبة الصغرى بهلاكه عام 329 هـ.
2-أدلة الغيبة الصغرى:
إن أدلة الغيبة الصغرى التي ساقها القوم، هي نفسها أدلة الغيبة الكبرى تقريبا مع اختلاف يسير ذكروا فيه بعض النصوص الدالة على الغيبة الصغرى تحديدا،ونسوق هنا بعض أدلة القوم بإيجاز:
· {عن علي بن محمد عن الفضل بن شاذان، عن عبد الله بن جبلة، عن عبد الله بن المستنير، عن المفضل بن عمر قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إن لصاحب هذا الأمر غيبتين}.
غيبة الطوسي ص102
· {وأخبرنا ابن أبي جيد القمي، عن محمد بن الحسن بن الوليد، عن محمد بن الحسن الصفار، عن العباس بن معروف، عن عبد الله بن حمدويه بن البراء، عن ثابت، عن إسماعيل، عن عبد الأعلى مولى آل سام قال: خرجت مع أبي عبد الله عليه السلام فلما نزلنا الروحاء نظر إلى جبلها مطلا عليها فقال لي: ترى هذا الجبل؟ هذا جبل يدعى رضوى من جبال فارس أحبنا فنقله الله إلينا، أما إن فيه كل شجرة مطعم، ونعم أمان للخائف مرتين، أما إن لصاحب هذا الأمر فيه غيبتين، واحدة قصيرة، والأخرى طويلة}.
غيبة الطوسي ص103
· {روى الفضل بن شاذان، عن عبد الله بن جبلة، عن سلمة بن جناح الجعفي عن حازم بن حبيب قال: قال لي: أبو عبد الله عليه السلام: يا حازم إن لصاحب هذا الأمر غيبتين يظهر في الثانية}.
غيبة الطوسي ص261
· {حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة، قال: حدثنا علي بن الحسن التيملي، عن عمر بن عثمان، عن الحسن بن محبوب عن إسحاق بن عمار الصيرفي قال: سمعت أبا عبد الله جعفر بن محمد(عليه السلام) يقول: للقائم غيبتان إحداهما طويلة والأخرى قصيرة}.
غيبة النعماني ص175
· {حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد قال: حدثنا علي بن الحسن، قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبى نجران، عن علي بن مهزيار، عن حماد بن عيسى، عن إبراهيم ابن عمر اليماني قال: سمعت أبا جعفر(عليه السلام) يقول: إن لصاحب هذا الأمر غيبتين، وسمعته يقول: لا يقوم القائم ولأحد في عنقه بيعة}.
غيبة النعماني ص176
· {وأخبرنا أحمد بن محمد بن سعيد قال: حدثنا القاسم بن محمد بن الحسن بن حازم من كتابه قال: حدثنا عبيس بن هشام، عن عبد الله بن جبلة، عن إبراهيم بن المستنير عن المفضل بن عمر الجعفى، عن أبي عبد الله الصادق(عليه السلام) قال: إن لصاحب هذا الأمر غيبتين، إحديهما تطول حتى يقول بعضهم: مات، وبعضهم يقول: قتل، وبعضهم يقول: ذهب، فلا يبقى على أمره من أصحابه إلا نفر يسير، لا يطلع على موضعه أحد من ولي ولا غيره إلا المولى الذي يلي أمره}.
غيبة النعماني ص176
· {عن عبد الله بن جبلة، عن سلمة بن جناح، عن حازم بن حبيب قال: دخلت على أبي عبد الله(عليه السلام) فقلت له: أصلحك الله إن أبوي هلكا ولم يحجا و إن الله قد رزق وأحسن فما تقول في الحج عنهما؟ فقال: افعل فإنه يبرد لهما، ثم قال لي: يا حازم إن لصاحب هذا الأمر غيبتين يظهر في الثانية}.
غيبة النعماني ص177
· {حدثنا عبد الواحد بن عبد الله قال: حدثنا أحمد بن محمد بن رباح، قال: حدثنا أحمد بن على الحميري قال: حدثنا الحسن بن أيوب، عن عبد الكريم بن عمرو، عن العلاء بن رزين، عن محمد بن مسلم الثقفي، عن الباقر أبى جعفر(عليه السلام) أنه سمعه يقول: إن للقائم غيبتين يقال له في أحديهما: هلك ولا يدرى في أي واد سلك}.
غيبة النعماني ص177
وما يهمنا في هذا المجال هو التأكيد على أن رغم كثرة هذه الروايات عند القوم، والتي يزعمون تواترها، وأنها موجودة قبل المهدي بكثير، ومنقولة عن الأئمة السابقين، إلا أن شيعة كل إمام يقفون عليه ويزعمون أنه المهدي القائم، والغريب أن كثيرا من رواة هذه الأحاديث هم من الواقفة، والاستغراب هنا: لماذا وقفوا إذا كانت هذه الروايات موجودة قديما ومنقولة عن الأقدمين وهي تنادي بمهدية الثاني عشر وغيبته.
3-مدة الغيبة الصغرى:
اختلف علماء الاثني عشرية في تحديد بداية هذه الغيبة، إذ الروايات عندهم مختلفة، ففي بعضها أن بداية هذه الغيبة هي من يوم مولده عام 255 هـ، وأخرى بعد مولده وقبل وفاة أبيه بفترة، وثالثة بعد وفاة أبيه عام 260 هـ، ولقد ذكر تفصيل فاضل المالكي، في كتابه (الغيبة الصغرى والسفراء الأربعة)، وهذا نص كلامه بإيجاز:
· {النظرية الأولى: الغيبة الصغرى إنّما بدأت بمولده (عليه السلام)، حيث كان مولده مبنيًّا على الكتمان، فكان الإمام سلام الله عليه غائبًا منذ ذلك الحين وإلى أن يظهر للعيان بشكل علني عام. .... ثم قال..... فإذا بدأنا سنة مائتين وخمس وخمسين، سنة مولد الإمام سلام الله عليه، إلى سنة ثلاثمائة وتسعة وعشرين، يعني قرابة أربعة وسبعين سنة، هذا التحديد طبق النظرية التي ذهب إليها الشيخ المفيد رحمه الله}.
· {النظرية الثانية: الغيبة بدأت من حيث شهادة والده الإمام العسكري سلام الله عليه، وبالضبط بعد صلاته على جنازة الإمام العسكري (عليه السلام) في القضية التي رواها أبو الأديان البصري}.
· {النظرية الثالثة: نظرية متوسطة في الواقع، وهي نظرية تقول طبق النص الذي مرّ بنا عن غيبة الشيخ الطوسي أعلى الله مقامه، نظرية تقول بأنّ غيبته بدأت بعد مولده (عليه السلام) بفترة، بدأت الغيبة وأعلن عن غيبته (عليه السلام) نفس والده الإمام العسكري (عليه السلام)}.
ثم رجح المالكي النظرية الأخيرة، حيث قال:
· {ولهذا، الأقرب أنّ الإمام سلام الله عليه مثلاً أعلن عن ذلك إما في عام تسعة وخمسين بعد المائتين حيث يكون عمر الإمام سلام الله عليه قرابة أربع سنوات، فيمكن القول أنّ الإمام سلام الله عليه الذي ولد في منتصف شعبان سنة مائتين وخمس وخمسين وأنّ الإمام العسكري سلام الله عليه أعلن عن غيبته في حدود قرابة منتصف شعبان سنة مائتين وتسع وخمسين، وأنّ الإمام في هذه الأربع سنوات من سنة خمس وخمسين منتصف شعبان إلى منتصف شعبان سنة تسعة وخمسين بعد المائتين، هذه الفترة لم تكن فترة غيبة، لأنّ الإعلان صدر بحسب التقدير المشار إليه في حدود سنة مائتين وتسع وخمسين في منتصف شعبان، فتكون غيبته (عليه السلام) قد بدأت منتصف شعبان سنة مائتين وتسعة وخمسين، يعني قبل شهادة الإمام العسكري سلام الله عليه بشهور، واستمرت من منتصف شعبان سنة مائتين وتسعة وخمسين إلى سنة ثلاثمِائة وتسعة وعشرين حيث وفاة آخر نائب من نواب الغيبة الصغرى}.
نقول أولا: إن تحديد بداية الغيبة الصغرى المزعومة يتعلق به بداية النيابة الخاصة للسفراء الأربعة، فالإشكال الحاصل في تحديد بداية الغيبة الصغرى، هو إشكال حاصل في تحديد بداية النيابة للنائب الأول عثمان بن سعيد العمري، وبما أن موضوع النيابة الخاصة من الأمور العقدية التي يترتب عليها تكفير مدعيها من غير الأربعة، وبالتالي فقد يدعي أحد أنه قد تسلم توقيعا أو مجموعة تواقيع من المهدي، زاعما أن ذلك مما يساغ له على اعتبار أن النيابة الخاصة للسفراء الأربعة لم تبدأ، لأنها متعلقة ببداية الغيبة الصغرى.
ثانيا: إذا ترجح أن المهدي المزعوم كانت بداية غيبته هي منذ ولادته،- كما نقل المالكي ترجيح المفيد لذلك -، فكيف تسنى نقل روايات ولادة المهدي ورؤيته الكثيرة التي رواها علماء القوم لإثبات وجوده المزعوم!.
ثالثا: إن السبب الرئيسي للغيبة كما يزعم القوم، هو الخوف من الحكومة العباسية التي تتحين الفرص للقضاء عليه، فإذا كانت ولادة المهدي معلومة مشهورة ولم يغب غيبته الصغرى إلا بعد وفاة أبيه، فما الذي منع الخلافة العباسية من القضاء عليه خلال فترة الخمس سنوات ما بين فترة ولادته وفترة وفاة أبيه.
يتضح من هذا كله، أن موضوع الغيبة الصغرى ما هو إلا تتمة من سلسلة الأكاذيب والاختلاقات التي أوجدها علماء القوم لتبرير وجود الخرافة المهدي للقول باستمرار الإمامة إلى قيام الساعة، وهذه الغيبة الصغرى هي الكذبة الصغرى التي ستمهد للكذبة الكبرى أي للغيبة الكبرى. |