أخي القارئ الكريم، تنوه إدراة الموقع الى أن هذا الموضوع مقسم الى عدة أقسام نظرا لكبر المحتوى وللفائدة يرجى متابعة جميع مواضيع هذا القسم.
عدة نقاط :
أود الإشارة في نهاية هذا الفصل إلى عدة نقاط :
النقطة الأولى :
إن ما ذكرناه قبل لحظة ، من وجود بعض أشكال الظلم منتج لشرط يوم الظهور ، وهو وعي الأمة وشعورها بالمسؤولية ... وأن المهدي (ع) لا يقف حائلاً ضد هذا الظلم ولا يعمل على رفعه ... لا يمكن أن ندعي وجوب الاقتداء بالمهدي (ع) في ذلك أو أن لنا به أسوة حسنة في ذلك.......(فبمن تقتدي الأمة إن لم تقتدي بالمعصوم!!!)...... ، فيجب إهمال الظلم يفتك بالأمة بدون أن نحاول إصلاحه أو نحول دون تأثيره . لا يمكن أن يكون هذا صحيحاً ، للفرق بين تكليفنا الشرعي وتكليفه وبين مسؤوليتنا ومسؤوليته ......(يعني أن الأمة تكليفها إزالة الظلم, والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وقتال الأعداء, والدعوة لدين الله , وفوق هذا تكلف بانتظار المهدي لمئات السنين, بينما قائدها المنقذ, تكليفه الشرعي أن يقف متفرجاً مكتوف الأيدي حيال كل ما يجري على أمته وشعبه المنتظر!!!).......
بيان ذلك : أن كلا الشرطين اللذين عرفناهما لعمل المهدي (ع) غير موجودين فينا، فيكون تكليفنا الإسلامي أوسع بكثير من هذه الجهة من تكليف الإمام المهدي (ع) خلال غيبته . ......(يعني هذا: أن أفراد الأمة البسطاء أنفع للإسلام والمسلمين من المهدي)...
أما الشرط الأول : وهو عدم انتفاء الغيبة والمحافظة على ستر العنوان ... فمن الواضح عدم توفره فينا . بل هو من مختصاته عليه السلام .
وأما الشرط الثاني : وهو ألا يحول العمل ضد الظلم المؤثر في إيجاد شرط الظهور ... فمن الواضح أن المهدي (ع) إذا حال دون تحقق هذا الظلم ، فسوف يحول دون حدوث الوعي عند الأمة ، فيبقى شعورها متبلداً وتربيتها قاصرة، وبالتالي يكون الشرط المطلوب متعذر الوجود .
سبحان الله!!! الأمة الإسلامية تضل تربيتها قاصرة, وشعورها متبلد, إلا في حال وقوعها تحت نير الظلم والعدوان, والفقر والجوع والأزمات, وانفلات الأمن في بعض أجزائها, وتسلط أعدائها عليها, واحتلال أراضيها, وغيره الكثير من الظلم والجور الحاصل لها!!! أي تفكير سقيم هذا؟
وأما نحن إذ نشعر بالظلم فنكافح ضده أو نخطط لأجل دحره ودفعه ، لا نكون قد حلنا دون وعي الأمة ، بل أن كفاح الأمة نفسه وجهادها ضد مشاكلها وآلامها من أهم العناصر التي تنظم إلى الشعور بالظلم فتحدث الوعي لدى الأمة يكمل عندها الشعور بالمسؤولية . ذلك العمل الذي يعطي دروساً في التضحية وحنكة في التدبير الاجتماعي ، يؤهل الأمة شيئاً فشيئاً إلى تحقيق الشرط المأمول .
ومعه يكون الكفاح ضد الظلم ، بهذا الاعتبار ، فضلاً عن الاعتبارات الأخرى ، لازماً ومطلوباً في الإسلام من كل المسلمين ما عدا المهدي (ع) ..…. شر البلية ما يضحك! الكفاح ضد الظلم لازم لكل مسلم, ما عدا المهدي!! فأي فضل للمهدي على باقي المسلمين إذا؟ ثم إن في الشريعة الإسلامية: إن أول المكلفين بإزالة الظلم هو قائد الأمة وإمامها, فكيف يسقط هذا التكليف عن المهدي وهو إمام الأمة, وينقل هذا التكليف إلى العامة من رعيته!! إن قائد هذا حاله لا خير فيه مطلقا…...
نعم ، ستكون الأمة وقائدها متضامنة ضد كل أنواع الظلم بعد أن يحصل الشرط المطلوب ، ويبقى الظلم المتأخر مستأنفاً لا حاجة إليه . فيقوم عليه الإمام المهدي (ع) بالسلاح لإزالته من الوجود. وذلك هو يوم الظهور .
النقطة الثانية :
إن عمل المهدي (ع) في المجتمع ، في حدود ما تقتضيه أطروحة خفاء العنوان ، يمكن أن يتصف بعدة صفات :
فعمله نافذ وناجح ومؤثر دائماً ، وإنما الإخفاق إذا حصل فإنما يحصل نتيجة لقصور أو تقصير غيره في العمل . فأننا لم نفهم أهمية عمله من كونه عضواً في جمعية خيرية مثلاً أو متولياً لوقف عام مثلاً، ......(أو جامعاً لأموال الخمس, مثلاً).... وإن كان ذلك ممكناً ومهماً ... إلا أن الأهم من ذلك هو كونه الرائد المؤسس لأعمال الخير العامة ، ودفع الشر والظلم – مما لا يكون مؤثراً في شرط اليوم الموعود – . بمعنى أنه عليه السلام ، بعد أن يعرف أهمية العمل الخير أو أخطار العمل الظالم بالنسبة للمجتمع المسلم ، فأنه يتسبب إلى إيجاد ما هو خير ورفع ما هو ظلم .
وهو بذلك يستعمل حنكته وفراسته لتوخي أقرب الطرق وأصلحها وأكبرها تأثيراً . وقد يسبق عمله وجود العمل الظالم نفسه . كالذي رأيناه من المهدي (ع) نفسه في غيبته الصغرى أكثر من مرة ، حيث سمعناه ينهي وكلاءه عن قبض أي شيء من الأموال ، فامتثلوا أمره من دون أن يعلموا السبب . ثم اتضح أن السلطات قد أمرت بدس الأموال إلى الوكلاء ، فمن قبض منهم مالاً قبضوا عليه . وبذلك فشل هذا المخطط الظالم . ومن يعمل مثل ذلك مرة أو مرات ، يمكنه أن يعمله متى يشاء .
أما لو استلزمت إزالته للظلم ظهوره لبعض الأفراد ، على حقيقته ، فهو مما قد يحصل تبعاً لظروف خاصة وتخطيط خاص ، سوف ندرسه في بعض الفصول المقبلة . وأما إذا لم تتوفر تلك الظروف ترك المهدي (ع) الظلم على حاله، لعدم توفر الشرط الأول من الشرطين السابقين .
وعلى أي حال ، فبالنسبة إلى العمل الخيِّر الصالح ، يستطيع المهدي أن يقنع فرداً أو جماعة للقيام به ، أو يشجع أناساً مندفعين تلقائياً للقيام بمثله ، ويؤيدهم التأييد الكافي ، ويحاول أن يرفع الموانع عن تقدم عملهم وازدهاره . كل ذلك من دون أن يفترض عضواً فعلياً مشاركاً في شيء من الأعمال . ومعه تكون الأعمال بطبيعتها، بالرغم مما أوجد لها المهدي (ع) من فرص النجاح ، قابلة للإخفاق أو الضيق تبعاً لقصور أصحابها القائمين بها أو تقصيرهم نفسياً أو عملياً .
إي أن العمل إذا كان ناجحا نسب النجاح للمهدي, وإذا كان غير ناجح, نسب الإخفاق إلى العاملين فيه!! إن مهدي الشيعة على هذا الاعتبار شبيه بفرعون وقومه, حيث أنهم إذا أصابهم خير قالوا هذا من عملنا وجهدنا, وإذا أصابهم شر قالوا هذا بسبب موسى وقومه. قال تعالى: ( وَلَقَدْ أَخَذْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (130) فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (131) الأعراف آية 130-131
وأما بالنسبة إلى العمل الظالم ، فهو يتسبب إلى رفعه أو التقليل من تأثيره ، إما بمحاولة إقناع الفاعل على الارتداع عنه أو الضغط عليه أو إحراج مصالحه بنحو يصغر معه عمله ويضيق أو بنحو ينعدم تأثيره أساساً . أو بإذكاء أوار الثورة أو الاحتجاج من قبل الآخرين .
يريد أن يلمح ـ الصدر ـ هنا: أن الثورة الخمينية هي من عمل المهدي أو إيعاز منه, وأن له دورا فيها. كما أنه بكلامه هذا يهيئ أتباعه لكي يقفوا معه في حال أعلن ثورة ما, بدعوى أن المهدي هو الداعي الحقيقي لهذه الثورة.
النقطة الثالثة :
هناك كلام لرونلدسن حول الإمام المهدي (ع) ، فيما يخص ما نحن فيه من الموضوع . يتبنى المهدي فيه بعدم الالتفات إلى أصحابه وقواعده الشعبية ، وعدم رفع الظلم عنهم . وهو بذلك يريد أن يستنتج عدم وجوده ، إذ لو كان موجوداً فهو شخص يشعر بالمسؤولية والعطف تجاه أصحابه ، فهو لا محالة رافع للظلم عنهم أو مشاركهم في العمل ضده . مع أنه لم يعمل ذلك ، بالرغم من أن المظالم في التاريخ كثيرة وشديدة ، إذن فهو غير موجود .
(وصدق والله رونلدسن في ذلك, فماذا يريد ـ الصدرـ ممن له أدنى ذرة عقل أن يستنتج من كل هذا؟)
وهو إن لم يصرح بهذه النتيجة ، ولكنه يوحي بها إيحاء واضحاً ، حين يقول : ((وفي القرن التالي لغيبة الإمام استلم البويهيون زمام السلطة الزمنية فبذلوا جهوداً كبيرة لتوحيد الطائفة الشيعية وتقويتها ، كبناء مشاهدها وجمع أحاديثها وتشجيع علمائها ومجتهديها . ومع ذلك فلم يظهر الإمام المنتظر في هذا القرن الذي كانت الطائفة الشيعية تتمتع فيه بحسن الحال" . ومرّ قرن آخر دالت فيه دولة حماة الشيعة من البويهيين ولكن الإمام بقي في (غيبته الكبرى) .
ومرّ قرن ثالث يمتاز بالظلم والثورات وتحكم المماليك . ولكن الإمام الذي كانوا يرتجون ظهوره لم يظهر .
وجاء دور الحروب الصليبية التي اشترك (آل البيت) فيها دون أن يكون لهم إمام . فمن الجانب الإسلامي ، كانت السلطة لإعلان الجهاد تنحصر بيد بني العباس والفاطميين المارقين في مقاومة الجيوش الغازية للشعوب المسيحية بالاسم في أوروبا ، ولكن الإمام أخرّ ظهوره .
وبعد مرور أربعة قرون على وفاة آخر الوكلاء في القرن الثالث عشر – يعني الميلادي – اجتاح الغزاة المغول بلاد إيران يقتلون ويهدمون بقساوة لا مثيل لها . وبالرغم من التخريب والآلام فإن (صاحب الزمان) المنتظر بفارغ الصبر لم يظهر.
وحتى في ابتداء القرن السادس على زمن شيوع أذربيجان والدولة الصفوية الجديدة، لم يتصل الإمام الغائب بشيعته إلا بالطيف ! فكان يظهر لهؤلاء الملوك ، كما يدعون!! ))
وبالرغم من أن في هذا الكلام عدة نقاط محتاجة لإعادة النظر ، إلا أن المهم الآن مناقشة الإشكال الرئيسي الذي يثيره ، وهو استبعاد وجود الإمام من عدم ظهوره عند الحاجة لأجل رفع الظلم عن قواعده الشعبية خاصة ، والمسلمين عامة .
وقد اتضح الجواب على ذلك مما سبق أن قلناه متمثلاً في عدة وجوه :
أولاً : أننا يجب أن لا نتوقع من الإمام المهدي (ع) الظهور الكامل ، تحت أي ظرف من الظروف ، باعتباره مذخوراً لنشر العدل الكامل في العالم كله ، لا لرفع المظالم الوقتية أو الاتصال بأشخاص معينين . وقد عرفنا أن الإسراع بالظهور قبل أوانه يوجب جزماً فشل التخطيط الإلهي لليوم الموعود ......(وهذا الكاتب رغم كونه من علماء الاثنا عشرية المشار إليهم بالبنان, إلا أنه لا يختار العبارة التي فيها أدنى أدب مع الله تعالى, وقلة أدبه مع الباري جل وعلى في هذه العبارة من جهتين:
من جهة إيجابه على الله تعالى ما يعتقده هو وجزمه أن مراد الله لا يتحقق في حال ظهر المهدي قبل أوانه, وفيه أيضا تألي على الله تعالى, فإن مثل هذه التقديرات والإلزامات لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى, فإن كان لدى هذا الكاتب, علم من نص صريح فلماذا لم يتحفنا به. أما الجهة الأخرى التي فيها سوء أدب مع الله تعالى فهي ألفاظ الجملة نفسها, فعبارة (التخطيط الإلهي) عبارة سمجة وغير مستقيمة حين الحديث عن مقادير الله تعالى وأوامره, فالعبارة التي يجب على المسلم أن يقولها في معرض حديثه هي (التقدير الإلهي).... لأن نجاحه منوط بشروط معينة وظروف خاصة لا تتوفر قبل اليوم الموعود جزماً ......(إن جزمه في ما يخص هذا الموضوع خوض فيما غاب عنه علمه, فإذا كانت تفاصيل علم الساعة قد غابت عن رسول رب العالمين,كما قال سبحانه (يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا (42) فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا (43) إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا (44) إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا) سورة النبأ, فمن أين لهذا الكاتب الجزم بالأحداث التي لم يذكر لنا نصا واضحا عنها؟) .... وقد عرفنا أن كل ما أعاق عن نجاحه لا يمكن وجوده بحسب إرادة الله تعالى وإرادة المهدي (ع) نفسه ، ....(ولا أدري ألا يشعر القارئ المسلم أن هذا الكاتب منعدم الأدب مع الباري عز وجل!!! وإلا فإرادة الله تعالى غير كافية حتى يردفها بإرادة المهدي أيضا!! ومن المهدي حتى تكون إرادته قرينة لإرادة الله تعالى!!! ثم يأتي من يلوم أهل السنة حين يقولون إن الاثنا عشرية يؤلهون أئمتهم من حيث يشعرون أو لا يشعرون. ثم من أين علم هذا الكاتب أن هذه إرادة الله جل جلاله !!)... مهما كان الظرف مهماً وصعباً.
ثانياً : أننا نحتمل – على الأقل – أن المهدي (ع) يرى أن بعض الظلم الذي كان ساري المفعول خلال التاريخ ، كالحروب الصليبية مثلاً ، غير قابلة للإزالة من قبله حال الغيبة بحال . ولا ينفع التخطيط السري أو العمل الاعتيادي، بصفته فرداً عادياً، في إزالتها ... لقوة تأثيرها وضراوة اندفاعها....(وهذه شهادة لإهل السنة ـ وإن كانوا غير محتاجين لها ـ الذين تصدوا للحروب الصليبية على مر التاريخ وكان من أبرز قادة أهل السنة الذين يفتخر المسلمين به حتى قيام الساعة هو صلاح الدين الأيوبي الذي تصدى للصليبين وطهر المسجد الأقصى من رجسهم, كما أنه دمر الدولة العبيدية الاثنا عشرية, والتي كانت تعين الصليبين على المسلمين كما لا يخفى على أحد )..... ومعه يصبح الإمام المهدي (ع) حال غيبته عاجزاً عن رفع هذا الظلم ، فيكون معذوراً عن عدم التصدي لرفعه طبقاً للقواعد الإسلامية ولوظيفته الواعية الصحيحة . ....(المهدي وشيعته يجلسون مكتوفي الأيدي والحروب الصليبية تفتك بالمسلمين , وعباد الصليب يدنسون المسجد الأقصى, أما أبطال الإسلام وحملته ـ أهل السنة ـ فهم من بذلوا الغالي والنفيس حتى تصدوا لتلك الحملات الكبيرة, والتي جلس مهدي الشيعة ـ إن وجد ـ مرتجفاً متفرجا عليها )....
ثالثاً : إن جملة من موارد الظلم الساري في المجتمع ، لا يتوفر فيه الشرط الأول من الشرطين السابقين اللذين ذكرناهما لعمل المهدي (ع) ، فلا يعمل المهدي لإزالته بطبيعة الحال . وهو ما إذا كان العمل ملازماً لانكشاف أمره وانتفاء غيبته .
رابعاً : إن جملة من موارد الظلم ، لا يتوفر فيه الشرط الثاني من الشرطين السابقين، باعتبار أو وجوده سبب لانتشار الوعي في الأمة وشعورها بالمسؤولية الذي هو أحد الشروط الكبرى ليوم الظهور . وقد قلنا بأن مثل هذا الظلم وإن وجب على الأمة الكفاح لإزالته ، إلا أن الإمام المهدي (ع) لا يتسبب لرفعه ، لأن في رفعه إزالة للشرط الأساسي لليوم الموعود، وهو ما لا يمكن تحققه في نظر الإسلام. .... (على هذا الاعتبار فإن مهدي الشيعة لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر, ولا يرفع الظلم عن أحد, ثم كيف يجب على الأمة إزالته ولا يجب على قائد الأمة من ذلك شيء!! إذا إن وجود أبسط أفراد الأمة وأقلهم شأنا من الذين يشاركون في هذا العمل, أفضل من وجود قائد متفرج لا يريد أن يساعد أمته ولو كفرد منها على إزالة هذا الظلم والمنكر, بحجة أن ذلك مخل بشروط ظهوره يوم القيامة,
إن مثل هذا الفكر هو فكر مستورد من اليهود والنصارى, الذين يعتقد الكثير من طوائفهم, أنه لا يمكن أن يتحقق نزول المسيح المخلص ـ بزعمهم ـ إلا أن يهدم المسجد الأقصى, وهذا الكاتب ـ الصدر ـ في كتابته هذه يقول بصراحة: أن المهدي لا داعي لوجوده, حيث أنه على الأمة أن تزيل الظلم والحيف الذي يصيبها بنفسها, وأن على أفرادها أن يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر كل بحسبه, ولا ينتظروا من قائد الأمة ـ المهدي ـ أن يحرك ساكنا من هذا القبيل. فماذا تستفيد الأمة من وجود المهدي إذا؟ إن لم يكن أداء دوره لا يحين إلا عند قيام الساعة؟ ماذا يستفيد الأسرى في سجون الكفار من المهدي؟ وماذا يستفيد المسلمين الذين يهدم اليهود منازلهم على رؤؤسهم؟ وماذا يستفيد الشعب العراقي مثلا من وجود المهدي وبلدهم محتل من قبل الصليبين وتعيث فيه عصابات النهب والسلب فسادا؟ وماذا ثم ماذا ولو استطردت لطال بي المقال,كل هؤلاء وغيرهم ماذا يستفيدون من وجود المهدي الذي لا يحرك ساكنا حيال قضاياهم المصيرية, ولا يساعدهم ـ على اعتباره قائداـ في رد الهوان والذل عنهم من قبل شتى دول الكفر؟ ويلومنا الشيعة على كفرنا بهذا الخرافة ـ السردابية ـ بعد ذلك! فهلا شرح لنا المؤمنون بوجوده ماذا قدم لهم المهدي؟)....
إذن فسائر أنحاء الظلم الساري المفعول في التاريخ لا محالة مندرج تحت أحد هذه الأقسام ، فإذا كان المهدي (ع) قد عمل لإزالتها فقد خالف وظيفته الإسلامية ومسؤوليته الحقيقية ، ولا أقل من احتمال ذلك, ..... (يـخيلُ للقارئ لهذه الجملة, أن ـ الصدر ـ قد صار وصيا على المهدي, يبين متى يحق للمهدي أن يعمل ومتى لا يحق له ذلك, وإلا فما أدرى الكاتب أن قيام المهدي بعمل, يعد مخالفة من قبله لوظيفته الإسلامية ـ المعطلة ـ ) ...... لأجل المهدي (ع) على الصحة .
إذن فليس هناك أي تلازم بين وجود المهدي وبين وقوفه ضد هذه الأنحاء من الظلم والشرور، ...(حدث العاقل بما لا يعقل, فإن صدقك فليس بعاقل. وكيف لا يتلازم وجود المهدي على اعتباره قائداً أعلى للمسلمين, وبين وقوفه ضد الظلم والشرور!!! إذا فماذا تنتفع الأمة من هذا القائد الموجود منذ أكثر من 1200 سنة!!!)...... حتى يمكن لرونلدسن أن يستنتج من عدم وقوفه ضد الظلم ، عدم وجوده.
وأما الأنحاء الأخرى من الظلم ، فقد قلنا بأن تكليفه الشرعي ووظيفته الإسلامية ، تقتضي وقوفه ضده وحيلولته دونه بصفته فرداً عادياً في المجتمع ، كما أوضحناه . إذن فهو يقف ضد الظلم في حدود الشروط الخاصة الإسلامية، كيف وهو على طول الخط يمثل المعارضة الصامدة ضد الظلم والطغيان . .....( ومتى كان ذلك هلا أعطانا الكاتب مثلاً واحد على ذلك, أو أرخ لنا حدثاً كان للمهدي فيه دور بارز!!!)
خاتمة:
يتجلى للقارئ العاقل كيف يريد علماء الاثنا عشرية , إثبات وجود المهدي المزعوم, من خلال الرد على التساؤلات عن جدوى وجود المهدي وليس له عمل ظاهر, ولا أخفي سرا , حيث ظننت أن ما سيطرحه (محمد الصدر) في كتابه (تاريخ الغيبة الكبرى) وفي الفصل الذي عقده للحديث عن أعمال المهدي في غيبته, سيكون موضوعاً دسما يصعب علي التعقيب عليه, نظرا لما اشتهر به (محمد الصدر) حيث أنه يعد من أقوى علماء الشيعة من حيث الإستدلات العقلية, والطرح الفلسفي للمواضيع, ولكن كما يرى القارئ الكريم, كيف أن الصدر في كتابته عن هذا الموضوع, كانت حججه ضعيفة وإلزاماته عجيبة, حيث يتجلى بوضوح من خلال نص كلام الكاتب في هذا الفصل ـ أن المهدي لا حاجة لوجوده ـ وأنه لا يمثل أي دور فعال حيال قضيا الأمة, وانه لا يفعل أي شئ من شأنه أن يغير واقع الأمة المرير, سواءً من ناحية تسلط الكفار عليها, أو عبث أئمة الجور بمقدراتها, أو حتى الكوارث الطبيعية التي قد تبتلى بها, وأن المهدي يقف حيال ذلك كله متفرجاً, على اعتباره مذخوراً لليوم الموعود, يعني بصريح العبارة إن المهدي ـــ عطال بطال ـــ لا شغل ولا مشغلة ـــ ولذلك فإنه يقضي وقت فراغه الطويل الذي بدأ منذ أكثر من 1200 سنة, متسكعا هنا وهناك, حتى أنه قد شوهد ــــ يتمشى على كورنيش الكويت ــــ كما ذكر ذلك بعض علمائهم. هذا هو عمل القائد المنتظر في غيبته.
والله تعالى أعلم
|