لما طال أمد الغيبة على الشيعة وبان كذب دعوى وجود القائم المزعوم، جعلوا لغيبته أسبابا ليلبسوا على عقول عوام الشيعة ويردوا أقوال المخالفين، ومن جملة ما ذكره علماؤهم من هذه الأسباب ما يلي:
1- أن لا تقع في عنقه بيعة لطاغية:
· {حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه قال: حدثنا محمد بن يحيى العطار، عن محمد بن عيسى بن عبيد، عن محمد بن أبي عمير، عن سعيد بن غزوان، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: صاحب هذا الأمر تعمى ولادته على هذا الخلق لئلا يكون لأحد في عنقه بيعة إذا خرج}.
كمال الدين للصدوق ص 435- 436
· {حدثنا أبي ومحمد بن الحسن رضي الله عنهما قالا: حدثنا سعد بن عبد الله، عن محمد بن عبيد ومحمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن محمد بن أبي عمير، عن جميل ابن صالح، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: يبعث القائم وليس في عنقه بيعة لأحد}.
كمال الدين
· {حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق رضي الله عنه قال: حدثنا أحمد بن محمد الهمداني قال: حدثنا علي بن الحسن بن علي بن فضال، عن أبيه، عن أبى الحسن علي بن موسى الرضا عليهما السلام أنه قال: كأني بالشيعة عند فقدهم الثالث من ولدي، كالنعم يطلبون المرعى فلا يجدونه، قلت له: ولم ذاك يا ابن رسول الله؟ قال: لأن إمامهم يغيب عنهم، فقلت: ولم؟ قال: لئلا يكون لأحد في عنقه بيعة إذا قام بالسيف}.
كمال الدين
وهل راعى الشيعة بيعة لأحد، فتاريخهم حافل بنكثهم لعهودهم ومواثيقهم، والشواهد كثيرة في الماضي والحاضر، وهم لم يعترفوا بأي حكومة إسلامية، وما كانت بيعاتهم الظاهرية إلا ضربا من عبادة التقية التي هي تسعة أعشار الدين، فكيف يفوّت مهدي الشيعة هذه العبادة العظيمة على نفسه، فليبايع من يبايع حتى إذا جاءه الأمر بالخروج خرج، وكان في حل من بيعته، ولذا لا مبرر لغيبته بهذا اطلاقا.
2- مخافة القتل:
· {عن محمد بن مسعود قال: حدثني عبد الله بن محمد بن خالد قال: حدثني أحمد بن هلال، عن عثمان بن عيسى الرواسي، عن خالد بن نجيح الجواز، عن زرارة قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: يا زرارة لا بد للقائم من غيبة؟ قلت: ولم، قال: يخاف على نفسه ـ وأومأ بيده إلى بطنه ـ}.
كمال الدين للصدوق ص 437
· {حدثني عبد الواحد بن محمد بن عبدوس العطار رضي الله عنه قال: حدثنا علي ابن محمد بن قتيبة، عن حمدان بن سليمان، عن محمد بن الحسين، عن ابن محبوب، عن علي بن رئاب، عن زرارة قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: إن للقائم غيبة قبل ظهوره، قلت: ولم؟ قال: يخاف ـ وأومأ بيده إلى بطنه -. قال زرارة: يعني القتل}.
كمال الدين للصدوق
· {حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رضي الله عنه قال: حدثني عمي محمد بن أبي القاسم، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن أيوب بن نوح، عن صفوان بن يحيى عن ابن بكير، عن زرارة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: للقائم غيبة قبل قيامه، قلت: ولم؟ قال: يخاف على نفسه الذبح}.
كمال الدين للصدوق
· {ع: ما جيلويه، عن البرقي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبان وغيره، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله: لا بد للغلام من غيبة، فقيل له: ولم يا رسول الله؟ قال: يخاف القتل}.
بحار الأنوار ج 52ص 90
· {ك: ابن الوليد، عن الصفار، عن أحمد بن الحسين، عن عثمان ابن عيسى، عن خالد بن نجيح، عن زرارة بن أعين قال: سمعت الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام يقول: إن للغلام غيبته قبل أن يقوم، قلت: ولم ذلك؟ قال: يخاف و أشار بيده إلى بطنه وعنقه، ثم قال: وهو المنتظر الذي يشك الناس في ولادته فمنهم من يقول: إذا مات أبوه مات ولا عقب له، ومنهم من يقول: قد ولد قبل وفات أبيه بسنتين لأن الله عز وجل يجب أن يمتحن خلقه فعند ذلك يرتاب المبطلون}.
بحار الأنوار ج 52ص 95
يخاف على نفسه القتل ولكن ممن، فإن كل خصومه من الأمويين والعباسيين قد طوى التاريخ صفحتهم، ولم يعد لوجودهم إلا الذكرى، ثم أما آن له أن يخرج وقد صار لشيعته دولا وإمبراطوريات كبيرة مثل الدولة الصفوية ودولة الملالي الحالية في إيران، أليس في هؤلاء كفاية لنصرته.
3- جريان سنن الأنبياء عليه:
· {حدثنا المظفر بن جعفر بن المظفر العلوي السمرقندي رضي الله عنه قال: حدثنا جعفر بن محمد بن مسعود، وحيدر بن محمد السمرقندي جميعا قالا: حدثنا محمد بن مسعود قال: حدثنا جبرئيل بن أحمد، عن موسى بن جعفر البغدادي قال: حدثني الحسن بن محمد الصيرفي، عن حنان بن سدير، عن أبيه، عن أبى عبد الله عليه السلام قال: إن للقائم منا غيبة يطول أمدها، فقلت له، يا ابن رسول الله ولم ذلك؟ قال: لأن الله عز وجل أبى إلا أن تجري فيه سنن الأنبياء عليهم السلام في غيباتهم، وإنه لا بد له يا سدير من استيفاء مدد غيباتهم، قال الله تعالى: « لتركبن طبقا عن طبق »، أي سنن من كان قبلكم}.
كمال الدين للصدوق ص 437
لقد فات مفتري هذا الحديث على لسان الصادق رحمه الله، أن مجموع السنين التي بلغتها غيبته –حتى الان- ، قد تجاوزت مجموع غيبات الأنبياء عليهم السلام.
4- كراهية مجاورته للناس:
· {ع: العطار، عن أبيه، عن الأشعري، عن أحمد بن الحسين بن عمر، عن محمد بن عبد الله، عن مروان ألأنباري قال: خرج من أبي جعفر عليه السلام: أن الله إذا كره لنا جوار قوم نزعنا من بين أظهرهم}.
بحار الأنوار ج 52ص 90
· {محمد بن يحيى، عن جعفر بن محمد، عن أحمد بن الحسين، عن محمد بن عبد الله عن محمد بن الفرج قال: كتب إلي أبو جعفر عليه السلام: إذا غضب الله تبارك وتعالى على خلقه نحانا عن جوارهم}.
الكافي ج1 ص 506
وأين ذهبت آلاف المصنفات التي نادت بضرورة وجود حجة لله يرشد الناس ويعلمهم الكتاب والحكمة وإلا ساخت الأرض، ثم ما قيمة الإمام المعصوم إذا لم يكن حاضرا بين الناس صابرا على أذاهم، وأيضا فإن الله تعالى قد غضب على الأمم السابقة فما وجدناه قد نحى أنبياءه عنهم، ولكن أرسل رسله تترى إليهم، ومع كل ذلك فإن صح هذا الزعم على أهل السنة، فما باله لم يخرج لملاقاة الملايين التي تهتف باسمه وتقول له: اخرج، عجل على ظهورك، أرواحنا لمقدمك الفداء، أم أنه كاره لهؤلاء أيضا!.
5- امتحان الشيعة واختبارهم:
· {غط: جعفر بن محمد، عن إسحاق بن محمد، عن أبي هاشم، عن فرات بن أحنف قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام وذكر القائم فقال: ليغيبن عنهم حتى يقول الجاهل: ما لله في آل محمد حاجة}.
· {غط: محمد الحميري، عن أبيه، عن ابن يزيد، عن حماد بن عيسى عن إبراهيم بن عمر اليماني، عن رجل، عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال: لتمخضن يا معشر الشيعة شيعة آل محمد كمخيض الكحل في العين لأن صاحب الكحل يعلم متى يقع في العين، ولا يعلم متى يذهب، فيصبح أحدكم وهو يرى أنه على شريعة من أمرنا فيمسي وقد خرج منها، ويمسي وهو على شريعة من أمرنا فيصبح وقد خرج منها}.
· {غط: محمد الحميري، عن أبيه، عن أيوب بن نوح، عن العباس بن عامر، عن الربيع بن محمد المسلي قال: قال لي أبو عبد الله: والله لتكسرن كسر الزجاج وإن الزجاج يعاد فيعود كما كان، والله لتكسرن كسر الفخار وإن الفخار لا يعود كما كان، والله لتمحصن والله لتغربلن كما يغربل الزؤان من القمح}.
بحار الأنوار ج52 ص 101
· {محمد بن يحيى، والحسن بن محمد عن جعفر بن محمد، عن الحسن بن محمد الصيرفي، عن جعفر بن محمد الصيقل، عن أبيه، عن منصور قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام: يا منصور، إن هذا الأمر لا يأتيكم إلا بعد إياس، ولا والله حتى تميزوا ولا والله حتى تمحصوا ولا والله حتى يشقى من يشقى ويسعد من يسعد}.
الكافي ج 1ص 548
وهذه العلة يردها علماء الشيعة أنفسهم قال المجلسي ما نصه:
{وأما ما روي من الأخبار من امتحان الشيعة في حال الغيبة، وصعوبة الأمر عليهم، واختبارهم للصبر عليه، فالوجه فيها الإخبار عما يتفق من ذلك من الصعوبة والمشاق لأن الله تعالى غيب الإمام ليكون ذلك، وكيف يريد الله ذلك، وما ينال المؤمنين من جهة الظالمين ظلم منهم ومعصية، والله لا يريد ذلك بل سبب الغيبة هو الخوف على ما قلناه، وأخبروا بما يتفق في هذه الحال، وما للمؤمن من الثواب على الصبر على ذلك، والتمسك بدينه إلى أن يفرج الله ( تعالى ) عنهم}. بحار الأنوار ج52 ص 100
6- ينتظر خروج المؤمنين من أصلاب الكافرين:
· {ع، ك: ابن مسرور، عن ابن عامر، عن عمه، عن ابن أبي عمير عمن ذكره، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له: ما بال أمير المؤمنين عليه السلام لم يقاتل مخالفيه في الأول؟ قال لآية في كتاب الله عز وجل "لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما"، قال: قلت: وما يعني بتزايلهم ؟ قال: ودائع مؤمنون في أصلاب قوم كافرين، فكذلك القائم عليه السلام، لن يظهر أبدا حتى تخرج ودائع الله عز وجل، فإذا خرجت ظهر على من ظهر من أعداء الله عز وجل جلاله فقتلهم}.
بحار الأنوار ج 52 ص 97
والظاهر أن غيابه سيطول ويطول، لأن الله تعالى، "لا يزال يغرس لهذا الدين غرسا يستعملهم في طاعته"، كما صح ذلك عن نبينا صلى الله عليه وسلم.
7- حكمة مجهولة لا يكشف النقاب عنها إلاّ بعد الظهور:
· {حدثنا عبد الواحد بن محمد بن عبدوس العطار رضي الله عنه قال: حدثني علي بن محمد بن قتيبة النيسابوري قال: حدثنا حمدان بن سليمان النيسابوري قال: حدثني أحمد بن عبد الله بن جعفر المدائني، عن عبد الله بن الفضل الهاشمي قال: سمعت الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام يقول: إن لصاحب هذا الأمر غيبة لا بد منها يرتاب فيها كل مبطل، فقلت: ولم جعلت فداك ؟ قال: لأمر لم يؤذن لنا في كشفه لكم، قلت: فما وجه الحكمة في غيبته؟ قال: وجه الحكمة في غيبته وجه الحكمة في غيبات من تقدمه من حجج الله تعالى ذكره، إن وجه الحكمة في ذلك لا ينكشف إلا بعد ظهوره كما لم ينكشف وجه الحكمة فيما أتاه الخضر عليه السلام من خرق السفينة، وقتل الغلام، وإقامة الجدار لموسى عليه السلام إلى وقت افتراقهما. يا ابن الفضل: إن هذا الأمر أمر من أمر الله تعالى وسر من سر الله، وغيب من غيب الله، ومتى علمنا أنه عز وجل حكيم صدقنا بأن أفعاله كلها حكمة وإن كان وجهها غير منكشف}.
كمال الدين للصدوق ص 438
وهنا يمكننا القول: إن واضع أكذوبة مهدي الشيعة، لأول مرة يصدق مع نفسه، ولأول مرة يقول كلاما مفهوما معقولا، ولو أنه اكتفى بهذا السبب للغياب لما قامت عليه قيامة العقلاء ولا تناولته الألسن بالتقريع والانتقاد، لأننا سنقول له سلّمت بعجزك عن الدفاع عن عقيدة لم تستطع القيام بحشد الأدلة لها، وهذا فيه معنى من معاني الإنصاف!، وأما حين تذكر -يا واضع هذه الأكذوبة- بقية الأسباب فستجعل من نفسك ومذهبك هذا أضحوكة.
ولا شك أن إدعاء الغيبة للقائم المزعوم هي المهرب الوحيد من شك الشيعة وحيرتهم في وجود القائم المزعوم. فقد وقعت الحيرة والشك في جمهور الشيعة بل وصل الأمر إلى من ينتسب إلى العلم منهم، وقد ذكر حيرتهم هذه عدة من علمائهم:
{إن الذي دعاني إلى تأليف كتابي هذا: أني لما قضيت وطري من زيارة علي بن موسى الرضا صلوات الله عليه، رجعت إلى نيسابور وأقمت بها، فوجدت أكثر المختلفين إلي من الشيعة قد حيرتهم الغيبة، ودخلت عليهم في أمر القائم عليه السلام الشبهة، وعدلوا عن طريق التسليم إلى الآراء والمقاييس}.كمال الدين للصدوق ص 14
فإذا كان أكثر المختلفين للصدوق في شك وحيرة من أمر الغيبة المزعومة، فكيف حال سواهم!، والصدوق من كبار علمائهم والذي يختلف إليه هم العلماء وطلبة العلم، فإذا كان هذا حال العلماء وطلبة العلم فكيف حال عوام الشيعة!.
{ورد إلينا من بخارا شيخ من أهل الفضل والعلم والنباهة ببلد قم، طال ما تمنيت لقاءه و اشتقت إلى مشاهدته لدينه وسديد رأيه واستقامة طريقته، وهو الشيخ نجم الدين أبو سعيد محمد بن الحسن بن محمد بن أحمد بن علي بن الصلت القمي........ إلى أن قال ....... فبينا هو يحدثني ذات يوم إذ ذكر لي عن رجل قد لقيه ببخارا من كبار الفلاسفة والمنطقيين كلاما في القائم عليه السلام قد حيره وشككه في أمره لطول غيبته وانقطاع أخباره}.كمال الدين للصدوق ص 14 – ص 15
وهذا الكلام أعجب من الأول وأعظم، فإذا كان هذا الرجل من كبار علماء الشيعة وقد تشكك في أمر الغيبة المزعومة، فحال من دونه أعظم وأدهى، ولو كانت هذه العقيدة المزعومة قد وافقت الأدلة والفطرة والعقل، فهل ترى من مشكك بها، قطعا لا. |